تطوير التعليم و البحث العلمي

أ.د. مصطفي الشافعي

نتابع في هذه المقالة نشر تصور لآليات النهضة الشاملة. وكما ذكرنا في المقالات السابقة فان التنمية البشرية هي عماد التنمية الشاملة. وتطوير التعليم لإعداد الاجيال القادمة ضرورة استراتيجية باعتبار التعليم هو مصدر الطاقة الدافعة للتنمية الشاملة. ولكن يعاني التعليم العالي والبحث العلمي من عدم وجود خطة قومية للبحث العلمي ولا خطة مدروسة للاحتياجات المستقبلية من التعليم العالي. هذا بالاضافة الي ضعف مصادر التمويل للابحاث العلمية وعدم وضوح أهداف الخطة التعليمية، ومهمتها واستراتيجيتها علي المستوي الفردي والاداري والقومي وعدم وجود رقابة ومعايير جودة علي المناهج والتدريس وعلي الكتاب الجامعي. هذا بجانب تفشي سرطان الدروس الخصوصية وعقم المناهج وطرق التدريس وعدم وجود ميثاق شرف وقواعد لأخلاقيات مهنة التدريس الجامعي.
ويضاف الي ذلك أيضاً تدني الخدمات والرعاية للطلاب ولأعضاء هيئات التدريس وضعف امكانيات المكتبات الجامعية وصعوبة الحصول علي الدوريات العلمية وضمور الدعم المخصص لحضور المؤتمرات العلمية والزيارات العلمية وعدم وجود آليات لربط الباحثين بمراكز البحوث العالمية. وهناك عجز شديد في التعليم الفني العالي لا يتناسب مع أعداد خريجي الجامعات. وهناك فجوة مماثلة في الحاصلين علي تعليم فوق الجامعي مثل الدبلوم والماجستير وما يعادلهما من الدراسات أو التدريب المتخصص.
وقبل أن نعرض الخطة من المفيد أن نراجع باختصار أهداف التعليم كما ذكرناها في المقالات السابقة حتي يتضح المغذي من المقترحات المختلفة ونحكم علي فاعليتها في تحقيق الاهداف المطلوبة، وهي:

1 ـ تخريج أجيال واعية بالتحديات التي تواجه أمتها ومؤمنة بمهمتها ومسلحة بأعلي مستويات القيم وأخلاقيات التعامل.
2 ـ تحقيق التنمية البشرية المستمرة من خلال مبدأ التعليم حق للجميع من المهد الي اللحد لتجهيز المواطنين لسوق العمل بتوفير فرص تعليمية متكافئة مع تنويع تلك الفرص وتوسيع فرص الخيار لتساعد الشباب علي رفع مستوي معيشتهم وتطوير مهاراتهم.
3 ـ أن تكون الجامعات مراكز للاشعاع الثقافي والعلمي في المجتمع تساهم في ايجاد حلول لمشاكل المجتمع وتغذي المجتمع بالافكار الجديدة وتنشر الثقافة والاسلوب العلمي والتفكير المنطقي والوعي السياسي وتقود الجهود لنقل التكنولوجيا وتوطينها وتطويرها وإعداد الكفاءات والكوادر المتخصصة والقيادات من خلال البحث العلمي والدراسات والتعليم والدورات والتدريب والندوات والمؤتمرات.


ان النهضة التكنولوجية في القرن الواحد والعشرين تعتمد علي الحقوق الفكرية والمعلوماتية واستخدام الحاسبات. فمثلاً من المتوقع ازدياد الطلب علي تكنولوجيا الالكترونيات والاتصالات والحاسبات وصناعة الماكينات الآلية والربوتيكس وصناعة الاجهزة الطبية وأجهزة الاستشعار والزراعة الرأسية والمزارع الآلية الضخمة (النباتية والحيوانية والسمكية)، والتكنولوجيا الحيوية والهندسة الوراثية ونظم الادارة الحديثة ونظم ادارة الجودة الشاملة وطرق التسويق العالمية ونظم وقوانين التجارة الدولية وادارة الشركات العالمية وقوانين التجارة العالمية والحقوق الفكرية ونظم البنوك وادارة المحافظ الاستثمارية وشركات ادارة الاملاك وشركات المخاطرة وشركات توظيف الاموال والاسواق المالية وطرق الانشاءات والبنية التحتية المتقدمة التي تعتمد علي المواصفات القياسية والوحدات سابقة التجهيز.
وهذا سيفرض علي سوق العمل احتياجاً كبيراً من التعليم العالي والمتخصص. ويعتبر متوسط معدل القبول بالجامعات والمعاهد المصرية الان مقبولاً رقمياً. إلا أن هذه الأعداد تفوق بكثير الامكانيات المتاحة في الجامعات. ومن ناحية أخري يعاني نظام التعليم من عدم وجود توزيع مدروس في التخصصات المطلوبة والمناهج ونوعية المواد التي تدرس وتمشيها مع احتياجات المجتمع الحالية والمستقبلية.

وفيما يلي بعض المقترحات للآليات المطلوبة لإحداث التطوير المطلوب:
1-وضع خطة استراتيجية لإحداث طفرة في الصناعات ذات القيمة المضافة العالية مثل صناعة البرمجيات و الصناعات الالكترونية، و الماكينات و الأجهزة العلمية والأجهزة الطبية، و الصناعات الحربية، و الكيماويات و الأدوية و الهندسة الوراثية. بجانب تحديث الصناعات الأساسية والصناعات الثقيلة و الزراعة. وربط البحث العلمي بالخطة الاستراتيجية للتنمية لتوطين تكنولوجيات متميزة تمكن المنتجات المصرية من التنافس والتميز في السوق العالمي. وتسويق مصر كمركز للبحث و التطوير للشركات العالمية بما لديها من شباب متعلم بكفاءات عالية. بجانب مشروعات بنوك التصميمات و البرمجيات المفتوحة و مشروع بنوك المعلومات و أسرار الصناعة و براءات الاختراع، والمشروع القومي للتصميمات المفتوحة ( طرق الإنشاء- الجرار المصري - السيارة المصرية) ، وبرامج تطوير الصناعات الحربية التي سنتحدث عنها بالتفصيل في برامج التنمية الاقتصادية.

2 ـ زيادة الميزانيات المخصصة للتعليم العالي والبحث العلمي باعتباره من أهم الركائز لإحداث الطفرة التكنولوجية المطلوبة وتوجيهها طبقاً للخطة الاستراتيجية للتنمية. وتخصيص برامج لتدعيم البحث العلمي الذي تتقدم به الصناعة بالتعاون مع الجامعات حيث توازي الدولة (علي الأقل) ما يتقدم به القطاع الخاص.
3 ـ تدعيم دور مكتبة الاسكندرية لتصبح واحداً من أكبر المكاتب في المنطقة وتوصيلها بقواعد المعلومات والدوريات العالمية وبراءات الاختراعات وربطها بشبكة موحدة للمكتبات الجامعية والمحلية والمدرسية لتوفير المراجع العلمية المطلوبة للنهوض بالبحث العلمي. وانشاء شبكة قومية للجامعات تحتوي علي قاعدة بيانات عن الرسائل المنشورة في جامعاتنا والتقارير الفنية والمقالات العلمية والخبراء في شتي المجالات لتكون نافذة مهمة لتبادل الخبرات والمعلومات بين الباحثين ولرفع كفاءة تبادل المعلومات بين الجامعات وأجهزة الدولة ومؤسساتها وتزويد الجامعات بأحدث وسائل الاتصالات وشبكات اتصالات الفيديو لربط الجامعات والمعاهد بمثيلاتها بالخارج بالانترنت مما يسهل الاشراف العلمي المشترك علي الرسائل العلمية والبحوث ومنح شهادات مشتركة ومتابعة المؤتمرات والندوات العلمية الكترونياً.
4 ـ التوسع في برامج الدراسات العليا وبرامج المواد المتخصصة المختلفة باعتبارها أهم آليات نقل التكنولوجيا وتوليد براءات الاختراع والحقوق الفكرية وربط هذه البرامج بمشاكل الصناعة والمجتمع ككل. وتجهيز الجامعات بورش علي درجة عالية من الامكانيات والمهارات لتحويل الافكار الي نماذج صناعية بسرعة وكفاءة عالية. وانشاء جامعة للدراسات العليا والبحوث وإعدادها لتصبح مركز جذب عالمياً للعلماء والمخترعين وجعلها مركزاً لمدينة للصناعات التكنولوجية والمعلوماتية.
5 ـ تدعيم دور الجامعات كمراكز لمعامل المعايرة والاختبارات ومنح شهادات الجودة والامان طبقاً للمواصفات العالمية وعمل دورات تدريبية وعقد الامتحانات المهنية ومنح شهادات تخصص بالتنسيق مع النقابات أو المنظمات المهنية العالمية وستساهم هذه الخطوات في ربط الصناعة بالبحث العلمي ونشر الوعي بمواصفات الجودة وتوفير الكوادر الفنية المتخصصة المطلوبة لتحسين المنتج ورفع كفاءة الاداء.
6 ـ ايجاد مصادر دخول للجامعات بوضع القواعد الملائمة للجامعات الحكومية والخاصة للتوسع في اجتذاب الطلبة غير المصريين بمصاريف لزيادة دخول الجامعات ولتصبح مصر مركزاً عالمياً للتعليم والتدريب لمنطقة الشرق الاوسط وأفريقيا والعالم.
7 ـ عمل قاعدة معلومات الكترونية بالمشاكل التقنية التي تواجه الصناعة والحكومة ومؤسسات المجتمع التي يمكن أن تساهم الجامعات في ايجاد حلول ومقترحات ودراسات لها من خلال مشروعات الطلاب أو مشاريع بحثية لأعضاء هيئات التدريس وعمل مسابقات ومعارض سنوية لمشاريع الطلبة ونتائج البحوث لكل الجامعات والمعاهد وتكون ملتقي لرجال الصناعة والحكومة والمستثمرين والعلماء والمبتكرين وعمل مكاتب في الجامعات لمساعدة الطلاب وأعضاء هيئة التدريس علي تسويق أفكارهم وتكوين الشركات وكتابة دراسات الجودة وتعريفهم بمصادر التمويل والمنح والمساعدات وطريقة التقديم لها.
8 ـ إدخال المناهج التي تجهز خريج المرحلة الجامعية ليلعب دوراً قيادياً في دفع عجلة التنمية الشاملة وتشمل هذه المواد التعريف بمؤسسات الدولة ونظم الشركات وقوانين العمل والنقابات والجمعيات الاهلية ومبادئ الادارة والجودة الشامل والتسويق وعمل التقارير وأساليب العمل الجماعي وطرق ادارة الاجتماعات وادارة الحوار والمناقشة وطرق اتخاذ القرار وكتابة دراسات الجدوي وادارة المشروعات وتدعيم الانشطة الطلابية ورعاية الطلاب واشراك الطلاب في اتخاذ القرارات داخل الكليات والجامعات وتخصيص كراسي دائمة لتمثيل اتحادات الطلاب في مجلس الشعب ومجالس الجامعات.
9 ـ القضاء علي ظاهرة الدروس الخصوصية بتوفير المحاضرات في صورة أشرطة فيديو تكون متوافرة للايجار في مكتبات الكليات مقابل رسوم رمزية ومقابل عائد مادي للمدرس وتشجيع أعضاء هيئات التدريس علي تأليف الكتب والمناهج الالكترونية ووضعها علي الشبكة الموحدة للجامعات (مقابل عائد مادي للمؤلف). وتفعيل دور نقابة لأعضاء هيئات التدريس والعاملين بالجامعات لتقوم بدور فعال في توفير الخدمات الشاملة للمنتسبين إليها وتحسين الظروف المعيشية والسكنية لهم ووضع ميثاق لاخلاقيات المهنة والمحافظة علي شرف وسمعة المهنة.
10 ـ عمل جوائز سنوية (200 ـ 300 جائزة سخية) للاعمال المتميزة كالمقالات المنشورة وبراءات الاختراع والكتب العلمية والكتب الجامعية والمشاريع التي اكتملت وعمل جوائز وحوافز سنوية لاعضاء هيئات التدريس المتميزين في التدريس والبحث العلمي والمشاريع التطبيقية وفي الابتكار وفي خدمة الجامعة وخدمة المجتمع (200 ـ 300 جائزة أخري).
11 ـ تطوير التنظيم الاداري للجامعات ويهدف هذا التطوير الي اعطاء الاقسام مزيداً من الاستقلالية وحرية أكبر في اتخاذ القرارات وادارة شئونها وربط الجامعات بالمجتمع وزيادة فاعلية قنوات الاتصال الادارية وتفعيل دور الصناعة والمجتمع والجامعات في حل مشاكل كل منها ويتم ذلك بأن يكون تعيين رؤساء الاقسام والعمداء بالانتخاب ولا يجوز شغل منصب رئيس قسم أو عميد أكثر من فترتين متتاليتين إلا بموافقة الوزير المختص ويشرف علي ادارة الجامعات مجلسان: مجلس للشئون الادارية ومجلس للشئون الاكاديمية ويتم تعيين أعضاء المجلس الاكاديمي للكليات والجامعات بالانتخاب علي أن يكون هناك كرسي علي الاقل من خارج الجامعة يقوم بترشيحه المجلس نفسه ويتكون مجلس الشئون الادارية في الجامعات بانتخاب ثلثي أعضائه مثلاً ويعين الوزير المختص مندوب عن الوزارة وتعين المحافظة مندوباً عنها ويرشح المجلس مقعدين علي الاقل من خارج الجامعة (مستشارين وخبراء من رجال الصناعة أو المجتمع) ويرشح كل مجلس اسمين لشغل منصب رئيس الجامعة ويعين الوزير المختص واحداً منهما وستحدد اللائحة المنظمة للجامعات تفاصيل وكيفية ومدة ومسئوليات كل منصب.
12 ـ المجلس الاعلي للجامعات: ترشح كل جامعة (حكومية أو أهلية) 5 أسماء لعضوية المجلس الاعلي للجامعات ويختار مجلس الشوري (في دوره الجديد المقترح) من القائمة الكلية للمرشحين أعضاء المجلس الاعلي للجامعات ويكون المجلس الاعلي للجامعات مسئولاً عن رسم استراتيجية التعليم وتطوير اللوائح المنظمة للجامعات وتحديد معايير الجودة التعليمية ورقابة أداء الجامعات ومعادلة البرامج التعليمية والاشراف علي الدوريات العلمية القومية والشبكة القومية للجامعات